مقالات بقلم الاعلامي /علي علي صلاح
الأحد /20/مارس (2022م)
يحكى في قديم الزمان انه كان هنالك حاكماً في أحدى الدول الأوروبية يعيش في بحبوحة من العيش والترف ولكنه كان كثير الاكتئاب رغم كل المغريات التي كان ينعم بها،، ويمضي معظم وقته مطل على أحدى نوافذ قصره والتي تطل على تلك الغابات البعيده محدقاً فيها لساعات طويلة وفي يوم من الأيام قرر وزيره وحاشيته ان يذهبوا به الى نزهة بعيدة لعلهم يبددوا مافي خلجات صدره من هم وضيق فأخبروا الملك حينها بذلك العرض فرحب بذلك ولكنه اشترط عليهم ان يكون متنكراً حتى لايعرفه أحد من ابناء شعبه فقد مل من تلك الأجواء الملغمة التي يعيشها الحكام،،
خرج الحاكم مع وزيره وبعض من حاشيته متجهين نحو الغرب رغم ان خطت الوزير كانت بأتجاه الشرق ولكن الحاكم امرهم بأن يسلكوا ذلك الطريق، هاقد وصلوا الى احدى الغابات تستوطنها بعض الأكواخ الصغيرة ومجموعة من الأطفال الصغار يلعبون لعبة الغميضة،، ابتسم الحاكم لما رآه وتكاد تكون تلك هي الابتسامة الاولى التي يرونها اصدقائه منذ فترة طويلة متنفسا بعدها الصعداء،، اخبر الوالي اصحابه بأن يلعبوا لعبة الغميضه مثل اولئك الصغار فاندهش الوزير من قوله مبتسما ابتسامة صفراء هو والحراس قائلا لهم لاتستغربوا من طلبي هذا فكل منا يحمل طفلا بداخله يجب علينا تحقيق رغباته فوافق الوزير واتباعه على ان ينفذوا رغبة واليهم،، وعلى ان يغمضوا اعينهم لمدة خمس دقائق لينخفى الحاكم ومن ثم يبدأو بالبحث عنه وعند انتهاء الوقت ذهب الجميع ليبحثوا عنه وهم ضاحكون سعيدون ان ولي امرهم قد خرج من محنته وضيقه،،،، اين انت ايها الحاكم اضهر وبان عليك الامان،، اين انت هاايه ايها الحاكم.. هكذا نادا الوزير واتباعه حاكمهم،، لم يجدوه سرعان ماانقلبت ملامحهم الى القلق والخوف اين ذهب استمروا في البحث والنداء سألو اولئك الاطفال ما اذا شاهدوا رجل غريب في الجوار فأجابوا بأنهم لم يروه لقد تأخر الوقت تأخر كثيراً ولم يعد بعدها اضطر الوزير للعودة الى القصر من اجل اعلان حالة الطوارى للبحث عن الحاكم فبمجرد وصوله الى القصر اعطى احد الحراس رسالة للوزير مكتوب فيها صديقي العزيز انني ممتن لك أيما امتنان على ذلك الجميل الذي قدمته لي ولن انساه مدى الحياة لقد أخرجتني من السجن الى الحرية المطلقة،، لاتتعبوا انفسكم بالبحث عني فلن تجدوني تولى انت زمام الامور ودعني للماضي الجميل الذي أحن اليه كلما رأيته من تلك النافذة،، لقد وجدت ضالتي اليوم عند تلك الاكواخ واولئك الاطفال وتلك الحياة المفعمة بالبساطة بعيدة عن اجواء الصخب والشهرة فأناكنت واحدا من اولئك الناس قبل وصولي الى الحكم فكنت مهندس الانقلاب وقائده على الحاكم الظالم الأسبق فتقلدت المنصب وحكمت بين الناس بالعدل قدر المستطاع وعشت الترف ولكن كل ذلك لم ينسيني الماضي الجميل الذي لم يفارقني برهة واحدة،. الوداع.
كانت هذه رسالة الحاكم للوزير لقد تيقن بعد قراءته للرسالة بأنه من المحال عودة الحاكم لقد آثر ماضيه الجميل بمستقبله وحاضره التعيس من خلال وجهة نظره،،،
كانت تلك القصة المقتضبة افتتاحية للمقال الذي اضعه بين أيديكم قرائي الأعزاء،،،
الكثير منا يتحدث عند لقائه مع اهله ومحبيه عن الماضي عن الزمن الجميل ويشاطره الآخرين تأييدهم له عن تلك الحقبة الرائعة المنصرمة،، أجريت العديد من اللقاءات مع مجموعة متنوعة من الاشخاص في النوع والعمر والمستوى المعيشي وسألتهم هل يحنون الى الماضي كانت اجابتهم موحدة.. اقولها بكل صدق جميعهم قالو نعم ليت تلك الايام تعود،، مااثار الموضوع غرابة لدي انني عندما سألت الناس الفقراء والاغنياء جميعهم تمنوا رجوع ذلك الزمن..
الشخص الفقير في الوقت الحالي يحن الى الماضي لان وضعه المعيشي كان افضل مماهو عليه الان، ولأنه كانت قلوب الناس نقية وخالية من الحقد والضغينة بعكس ماهو حالنا اليوم،،
وذلك الغني كان وضعه المادي آنذاك اقل مماهو عليه الان ولكنه اشتاق لتلك القلوب النقية ايضا وتلك البراءة التي لانسمع عنها الا في الحكايات ومن عاش تلك الحقبة الذهبية،،
من خلال تلك الاجابات الموحدة تيقنت ان الناس بشكل عام في هذا العصر تفتقر الى الامان المعنوي الذي يعد اللبنة الاساسية في بناء المجتمعات.. الصدق، النقاء، الطيبه، القيم النبيلة التي أصبحت نادراً مانراها عند بعضنا البعض.
ان ماأرنوا اليه من خلال هذه الاسطر هو تعزيز تلك المفاهيم الرائعة واثرائها من جديد لدينا جميعا حتى يصبح ذلك الزمن الجميل حاضراً ومستقبلا نعيشه ونحيا به ان استطعنا أن نفعل ذلك سنقضي على العديد من مظاهر الفساد والأفلاس.