مقالات سياسية بقلم /محمد الصالحي
الإثنين /22/مايو (2023م)
لو تعمقنا في تحليل احداث توقيع اتفاقية الوحدة اليمنية عام ١٩٩٠م فلن نجدها إنجاز وطني لأي نظام في الشطرين فهي كانت نتيجة للتغيرات التي حدثت في النظام الدولي وتغير موازين القوى في العالم بسقوط الاتحاد السوفيتي وانهيار الكتلة الشرقية وتحول النظام الدولي الي أحادي القطبية تتزعمه أمريكا.
فالشطرين اليمنيين المتناقضين كانا يمثلان خطان متوزيان لا يلتقيان لا فكراً ولا سياسةً ولا توجهاً. فشمالاً نظام رأس مالي موالي للمعسكر الغربي بزعامة امريكا يقوم في اساسة على الطبقية الاجتماعية و زعاماتها القبلية ويعتمد في بناء مؤسسات الدولة على التيار الإسلامي المتشدد والعدو الاول للشيوعية وعلى النقيض تماماً في الجنوب هناك نظام شيوعي اشتراكي موالي للمعسكر الشرقي بزعامة الاتحاد السوفيتي يعادي ما اسمها بالطبقية بل في بداياته نفذ حرب إبادة وتطهير عرقي ضد القبائل وزعاماتها في الجنوب ويحارب الأصولية الإسلامية ويعتبرها نمط للرجعية، فقد كانت الصراعات والحروب التي حصلت بين الشطرين هي امتداد للصراع الحاصل بين قطبي العالم في ذلك الوقت خلال الحرب الباردة، وكان كل منهما يريد أن يفرض الوحدة وفق وجهة نظرة وبما يتناسب مع أيديولوجيتة الفكرية وخاصة في الفترة التي أعقبت اغتيال الرئيس الشهيد ابراهيم الحمدي في الشمال واغتيال الرئيس الشهيد سالم ربيع علي في الجنوب لأن الرئيسين كان بينهما تقارب فكري وسياسي كبيرين وكان باستطاعتهما تعزيز القواسم المشتركة بين الشطرين لتكون بمثابة القاعدة الأساسية التي تبنى عليها الوحدة اليمنية.
وخلال مرحلة الثمانينات والتي مثلت بداية سقوط الاتحاد السوفيتي وانهيار الكتلة الشرقية انعكس هذا الضعف على الأوضاع في الجنوب واراد الرئيس الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد التحول بالجنوب الي نموذج الاشتراكية الصينية باعتبارها النموذج الاشتراكي الأنجح وذلك بتحولها من نظام اشتراكي مغلق الي نظام شبه مختلط يجمع بين الاشتراكية والرأسمالية بحيث يتم السماح بالملكية الخاصه مع احتفاظ الدولة بالنصيب الأكبر من عوامل الإنتاج الأمر الذي قوبل بالرفض الكبير من قبل من كان يطلق عليهم آنذاك بالطغمه وهو التيار الذي يتزعمه علي عنتر وصالح مصلح وعلي شائع وعبدالفتاح اسماعيل وهذا هو أحد أهم الأسباب لانفجار الوضع في الجنوب ووقوع احداث ١٣ يناير ١٩٨٦م بين الطغمه و الزمره التي يتزعمها علي ناصر محمد وادت هذه الأحداث الي خروج الزمره وعدد كبير من القوات الجنوبية الي اليمن الشمالي ممادى الي ضعف الجنوب أكثر من قبل، كما لقي أغلب أعضاء اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي مصرعهم في هذه الأحداث الدامية و وجد علي سالم البيض نفسه رئيس للجنوب بلا منازع ولكن أمامه تركه ثقيلة واعباء مالية واقتصادية علية العمل على تجاوزها قبل وقوع الانهيار المحتوم ، وفي عام ٨٨م قام الاتحاد السوفيتي بإبلاغ كل دول الكتلة الشرقية التي كانت اقتصاداتها تعتمد على المساعدات السوفيتية ومنها اليمن الجنوبي ودول أوروبا الغربية ان الاتحاد السوفيتي لم يعد قادراً على تقديم أي مساعدات لها، وتازمت الأوضاع في الشطر الجنوبي أكثر فأكثر ولم يجد بداً من أن يجازف بتوقيع الوحدة مهما كانت الشروط ومهما كانت التنازلات لينقذ نفسة من الوقوع في الهاوية وهذا ما يفسر إصرارهم على خيار الوحدة الاندماجية
أما الشطر الشمالي فلا يختلف وضعه سوءً عن الشطر الجنوبي فهو معتمد على المعونات والمساعدات التي يقدمها له حلفائه في الكتله الغربية وعلى رأسهم دول الخليج باعتبارة خط الدفاع الأول ضد التمدد الشيوعي وكانت المخاوف لدى عفاش ونظامه أنه في حالة انتهاء الخطر الشيوعي في الجنوب ولم يعد يمثل مصدر خطر على دول المنطقة ربما تتوقف هذه المساعدات أو يتم الاستغناء عن خدماته وكذلك أنه في حالة انهيار الاتحاد السوفيتي ستنهار الدولة في الشطر الجنوبي أو ربما أن تتوجه دول المعسكر الغربي بالزح بالجماعات المتطرفة لقتال الشيوعية في الجنوب كما فعلت في أفغانستان وتقام دولة ونظام جديد يهدد استقراره ونظامه ولم يجد بداً من أن يتوجه الي توقيع اتفاق الوحدة ولكن كانت لدية مخاوف من الوحدة الاندماجية وعرض الكنفدرالية أو الفدرالية ولكن الجنوبيين أصروا على الوحدة الاندماجية وقدموا التنازلات الكبيرة من أجل إنقاذ أنفسهم من الأعباء الملقاة على عواتقهم.
ونظراً لهذه الظروف والمتغيرات الدولية والإقليمية تم توقيع الاتفاقية في ٢٢ مايو ١٩٩٠م في وثيقة تضمنت في أغلبها شكل هيئة الرئاسة و اغفلت بقية الجوانب التشريعية والتنفيذية المهمة واذا ما قورنت هذه الوثيقة مع وثيقة توحيد المانيا الشرقية الاشتراكية وألمانيا الغربية الراسمالية التي قامت في شهر أغسطس من نفس العام لوجدنا الفارق كبير جداً في مضمينها والتي احتوت على كافة التفاصيل ونظمت كافة المؤسسات الحكومية.
وبسبب هذا الخلل الكبير في خطوات إعادة الوحدة ظهرت الإشكالات في مراحل مبكرة جداً كان أولها الاختلاف على توزيع الدوائر الانتخابية النيابية حيث حصل الشمال على نصيب الأسد منها بحكم الكثافة السكانية فية وأصبح يحكم أغلبية مجلس النواب وهكذا توالت المشاكل والصعوبات حتى تطورت الي الأزمة السياسية في ٩٣م ثم حرب صيف ٩٤م التي استخدم فيها عفاش خصوم الاشتراكي الجنوبي وأبرزهم قوات علي ناصر محمد التي كانت في الشمال منذ ٨٦م و تيار الإخوان المسلمين المتشدد ليقضي عليهم في غضون شهرين.
ونرى أن إعادة تحقيق الوحدة لم يكن إنجازاً تاريخياً لأي من الطرفين انما كان ونتيجة حتمية للتغيرات الدولية والإقليمية وأمر واقع كان لابد منه.